الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب مِنْ فَضَائِلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: 4523- سبق شرحه بالباب. 4524- قَوْله: «ذُو الْخَلَصَة» بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَحَكَى الْقَاضِي أَيْضًا ضَمّ الْخَاء مَعَ فَتْح اللَّام، وَحَكَى أَيْضًا فَتْح الْخَاء وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ بَيْتٌ فِي الْيَمَن كَانَ فيه أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا. قَوْله: «وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة، وَالْكَعْبَة الشَّامِيَّة» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة الْكَعْبَة الشَّامِيَّة» بِغَيْرِ وَاو. هَذَا اللَّفْظ فيه إِيهَام، وَالْمُرَاد أَنَّ ذَا الْخَلَصَة كَانُوا يُسَمُّونَهَا الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة، وَكَانَتْ الْكَعْبَة الْكَرِيمَة الَّتِي بِمَكَّة تُسَمَّى الْكَعْبَة الشَّامِيَّة، فَفَرَّقُوا بَيْنهمَا لِلتَّمْيِيزِ. هَذَا هُوَ الْمُرَاد فَيَتَأَوَّلُ اللَّفْظ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيره: يُقَال لَهُ الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة، وَيُقَال لِلَّتِي بِمَكَّة الشَّامِيَّة. وَأَمَّا مَنْ رَوَاهُ الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة الْكَعْبَة الشَّامِيَّة بِحَذْفِ الْوَاو فَمَعْنَاهُ: كَأَنْ يُقَالَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ أَحَدهمَا لِمَوْضِعٍ، وَالْآخَر لِلْآخَرِ. وَأَمَّا قَوْله: «هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَة وَالْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة وَالشَّامِيَّة» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: ذِكْر الشَّامِيَّة وَهْم وَغَلَط مِنْ بَعْض الرُّوَاة، وَالصَّوَاب حَذْفه، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَيْسَ فيه هَذِهِ الزِّيَادَة وَالْوَهْم. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيل هَذَا اللَّفْظ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ قَوْلهمْ: الْكَعْبَة الْيَمَانِيَّة وَالشَّامِيَّة، وَوُجُود هَذَا الْمَوْضِع الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ هَذِهِ التَّسْمِيَة. 4525- قَوْله: «فَنَفَرْت» أَيْ خَرَجْت لِلْقِتَالِ. قَوْله: «تُدْعَى كَعْبَة الْيَمَانِيَّة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صِفَته، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَقَدَّرَ الْبَصْرِيُّونَ فيه حَذْفًا أَيْ كَعْبَة الْجِهَة الْيَمَانِيَّة. وَالْيَمَانِيَة بِتَخْفِيفِ الْيَاء عَلَى الْمَشْهُور، وَحُكِيَ تَشْدِيدهَا، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي كِتَاب الْحَجّ. قَوْله: «كَأَنَّهَا جَمَل أَجْرَب» قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مَطْلِيّ بِالْقَطِرَانِ لِمَا بِهِ مِنْ الْجَرَبِ، فَصَارَ أَسْوَد لِذَلِكَ، يَعْنِي صَارَتْ سَوْدَاء مِنْ إِحْرَاقِهَا. وَفيه النِّكَايَة بِآثَارِ الْبَاطِل، وَالْمُبَالَغَة فِي إِزَالَتِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اِسْتِحْبَاب إِرْسَال الْبَشِير بِالْفُتُوحِ وَنَحْوهَا. قَوْله: «فَجَاءَ بَشِير جَرِير أَبُو أَرْطَاة حُصَيْنُ بْن رَبِيعَة» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض النُّسَخ (حُصَيْنُ) بِالصَّادِ، وَفِي أَكْثَرهَا (حُسَيْن) بِالسِّينِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ. قَالَ: وَالصَّوَاب الصَّاد، وَهُوَ الْمَوْجُود فِي نُسْخَة اِبْن مَاهَان. .باب فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ: وَكِلَاهُمَا صَحِيح، هُوَ أَبُو بَكْر بْن النَّضْر بْن أَبِي النَّضْر هَاشِم بْن الْقَاسِم سَمَّاهُ الْحَاكِم أَحْمَد، وَسَمَّاهُ الْكَلَابَاذِيّ مُحَمَّدًا. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِمَّنْ قَالَ اِسْمه أَحْمَد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الدَّوْرَقِيّ. وَقَالَ السِّرَاج: سَأَلْته عَنْ اِسْمه فَقَالَ: اِسْمِي كُنْيَتِي، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَر، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَد فِي كِتَابه الْكُنَى غَيْره، وَالْمَشْهُور فيه أَبُو بَكْر بْن أَبِي النَّضْر. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِبْن عَبَّاس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ» فيه فَضِيلَة الْفِقْه، وَاسْتِحْبَاب الدُّعَاء بِظَهْرِ الْغَيْب، وَاسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا خَيِّرًا مَعَ الْإِنْسَان، وَفيه إِجَابَة دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَكَانَ مِنْ الْفِقْه بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى. .باب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى عَبْد اللَّه رَجُلًا صَالِحًا» هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَة: «أَرَى» أَيْ أَعْلَمَهُ، وَاعْتَقَدَهُ صَالِحًا، وَالصَّالِح هُوَ الْقَائِم بِحُقُوقِ اللَّه تَعَالَى وَحُقُوق الْعِبَاد. 4528- قَوْله: «وَكُنْت أَنَامُ فِي الْمَسْجِد عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابه وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي النَّوْم فِي الْمَسْجِد. قَوْله: «لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيْ الْبِئْر» هُمَا الْخَشَبَتَانِ اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا الْخُطَّاف، وَهِيَ الْحَدِيدَة الَّتِي فِي جَانِب الْبَكْرَة، قَالَهُ اِبْن دُرَيْد. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُمَا مَا يُبْنَى حَوْل الْبِئْر، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْخَشَبَة الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْمِحْوَرُ، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْبَكْرَة. قَوْله: «لَمْ تُرْعَ» أَيْ لَا رَوْعَ عَلَيْك وَلَا ضَرَرَ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّه لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْل» فيه فَضِيلَة صَلَاة اللَّيْل. قَوْله: (أَخْبَرَنَا مُوسَى بْن خَالِد خَتْن الْفِرْيَابِيّ) الْخَتْن بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمُثَنَّاة فَوْقُ أَيْ زَوْج اِبْنَته. وَالْفِرْيَابِيّ بِكَسْرِ الْفَاء، وَيُقَالُ لَهُ: (الْفِرْيَابِيّ) و(الْفِرَايَابِيّ) ثَلَاثَة أَوْجُه مَشْهُورَة مَنْسُوب إِلَى فِرْيَاب مَدِينَة مَعْرُوفَة. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 4530- سبق شرحه بالباب. 4531- قَوْله: «وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْو الْمِائَة الْيَوْم» مَعْنَاهُ وَيَبْلُغُ عَدَدُهُمْ نَحْو الْمِائَة، وَثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس أَنَّهُ دَفَنَ مِنْ أَوْلَاده قَبْل مَقْدَم الْحَجَّاج بْن يُوسُف مِائَة وَعِشْرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 4536- قَوْله: (عَنْ قَيْس بْن عُبَاد) بِضَمِّ الْعَيْن وَتَخْفِيف الْبَاء. قَوْله: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فيها ثُمَّ خَرَجَ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فيهمَا ثُمَّ خَرَجَ». وَفِي بَعْضهَا: «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ». فَهَذِهِ الْأَخِيرَة ظَاهِرَة، وَأَمَّا إِثْبَات: «فيها أَوْ فيهمَا» فَهُوَ الْمَوْجُود لِمُعْظَمِ رُوَاة مُسْلِم، وَفيه نَقْصٌ، وَتَمَامه مَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيّ: «رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فيهمَا». قَوْله: «مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ» هَذَا إِنْكَارٌ مِنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام حَيْثُ قَطَعُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ بَلَغَهُمْ خَبَرُ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص بِأَنَّ اِبْن سَلَام مِنْ أَهْل الْجَنَّة، وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّنَاء عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَوَاضُعًا وَإِيثَارًا لِلْخُمُولِ وَكَرَاهَةً لِلشُّهْرَةِ. قَوْله: «فَجَاءَنِي مِنْصَف» هُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الصَّاد، وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيم أَيْضًا، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيث بِالْخَادِمِ وَالْوَصِيف، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالُوا: هُوَ الْوَصِيفُ الصَّغِيرُ الْمُدْرِك لِلْخِدْمَةِ. قَوْله: «فَرَقِيت» هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة الصَّحِيحَة، وَحُكِيَ فَتْحُهَا. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ جَاءَ بِالرِّوَايَتَيْنِ فِي مُسْلِم وَالْمُوَطَّأ وَغَيْرهمَا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع. 4537- سبق شرحه بالباب. 4538- قَوْله: «فَإِذَا أَنَا بِجَوَادٍ عَنْ شِمَالِي» الْجَوَاد جَمْع جَادَّةٌ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْبَيِّنَة الْمَسْلُوكَة، وَالْمَشْهُور فيها جَوَادّ بِتَشْدِيدِ الدَّال. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَدْ تُخَفَّفُ. قَالَهُ صَاحِب الْعَيْن. قَوْله: «وَإِذَا جَوَاد مَنْهَج عَنْ يَمِينِي» أَيْ طُرُق وَاضِحَة بَيِّنَة مُسْتَقِيمَة، وَالنَّهْج الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم، وَنَهَجَ الْأَمْر وَأَنْهَجَ إِذَا وَضَحَ، وَطَرِيقٌ مَنْهَج وَمِنْهَاج وَنَهِج أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ. قَوْله: «فَزَجَلَ بِي» هُوَ بِالزَّايِ وَالْجِيم أَيْ رَمَى بِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 4539- قَوْله: «إِنَّ حَسَّان أَنْشَدَ الشِّعْر فِي الْمَسْجِد بِإِذْنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه جَوَاز إِنْشَاد الشِّعْر فِي الْمَسْجِد إِذَا كَانَ مُبَاحًا، وَاسْتِحْبَابه إِذَا كَانَ فِي مَمَادِح الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، أَوْ فِي هِجَاء الْكُفَّار وَالتَّحْرِيض عَلَى قِتَالهمْ، أَوْ تَحْقِيرهمْ، وَنَحْو ذَلِكَ وَهَكَذَا كَانَ شِعْر حَسَّان. وَفيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء لِمَنْ قَالَ شِعْرًا مِنْ هَذَا النَّوْع. وَفيه جَوَاز الِانْتِصَار مِنْ الْكُفَّار، وَيَجُوزُ أَيْضًا مِنْ غَيْرهمْ بِشَرْطِهِ. وَرُوح الْقُدُس جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4540- سبق شرحه بالباب. 4541- سبق شرحه بالباب. 4542- قَوْله: «يُنَافِحُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ يُدَافِعُ وَيُنَاضِلُ. 4543- قَوْله: يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ فَقَالَ: أَمَّا قَوْله: يُشَبِّبُ فَمَعْنَاهُ يَتَغَزَّلُ، كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمَشَارِق. وَحَصَانٌ بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ مُحْصَنَة عَفِيفَة. وَرَزَان كَامِلَة الْعَقْل، وَرَجُل رَزِين. وَقَوْله: مَا تُزَنُّ أَيْ مَا تُتَّهَمُ، يُقَالُ: زَنَنْته وَأَزْنَنْته إِذَا ظَنَنْت بِهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا. وَغَرْثَى بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ جَائِعَة، وَرَجُل غَرْثَان، وَامْرَأَة غَرْثَى. مَعْنَاهُ لَا تَغْتَابُ النَّاس وَأَنَّهَا لَوْ اِغْتَابَتْهُمْ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومهمْ. 4544- قَوْله: يَا رَسُول اللَّه اِئْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَان. قَالَ: «كَيْف بِقَرَابَتِي مِنْهُ؟» قَالَ: وَاَلَّذِي أَكْرَمَك لَأَسُلَّنَّك مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَة مِنْ الْخَمِير، فَقَالَ حَسَّان: وَبَعْد هَذَا بَيْت لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِم وَبِذِكْرِهِ تَتِمُّ الْفَائِدَة وَالْمُرَاد وَهُوَ: الْمُرَاد بِبِنْتِ مَخْزُوم فَاطِمَة بِنْت عَمْرو بْن عَائِذ بْن عِمْرَان بْن مَخْزُوم أُمّ عَبْد اللَّه وَالزُّبَيْر وَأَبِي طَالِب. وَمُرَاده بِأَبِي سُفْيَان هَذَا الْمَذْكُور الْمَهْجُوُّ أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب، وَهُوَ اِبْن عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت، ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامه. وَقَوْله: وَلَدَتْ أَبْنَاء زُهْرَة مِنْهُمْ مُرَاده هَالَة بِنْت وَهْب بْن عَبْد مَنَاف أُمّ حَمْزَة وَصْفِيَّة. وَأَمَّا قَوْله: وَوَالِدك الْعَبْدُ فَهُوَ سَبٌّ لِأَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث، وَمَعْنَاهُ أَنَّ أُمّ الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب وَالِد أَبِي سُفْيَان هَذَا هِيَ سُمَيَّة بِنْت مُوهِب، وَمُوهِب غُلَام لِبَنِي عَبْد مَنَاف وَكَذَا أُمّ أَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث كَانَتْ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُرَاده بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزك الْمَجْد. قَوْله: (لَأَسُلَّنَّك مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَة) مِنْ الْخَمِير الْمُرَاد بِالْخَمِيرِ الْعَجِين كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَمَعْنَاهُ لَأَتَلَطَّفَنَّ فِي تَخْلِيص نَسَبِك مِنْ هَجْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ نَسَبِك فِي نَسَبِهِمْ الَّذِي نَالَهُ الْهَجْو، كَمَا أَنَّ الشَّعْرَة إِذَا سُلَّتْ مِنْ الْعَجِين لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ فيه، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُلَّتْ مِنْ شَيْءٍ صُلْبٍ فَإِنَّهَا رُبَّمَا اِنْقَطَعَتْ فَبَقِيَتْ مِنْهَا فيه بَقِيَّة. 4545- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُهْجُوَا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ» هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء، وَهُوَ الرَّمْيُ بِهَا. وَأَمَّا الرِّشْق بِالْكَسْرِ فَهُوَ اِسْمٌ لِلنَّبْلِ الَّتِي تُرْمَى دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَفِي بَعْض النُّسَخِ: «رَشْق النَّبْل». وَفيه جَوَاز هَجْو الْكُفَّار مَا لَمْ يَكُنْ أَمَان، وَأَنَّهُ لَا غِيبَةَ فيه. وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِجَائِهِمْ، وَطَلَبُهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه وَاحِدًا بَعْد وَاحِد، وَلَمْ يَرْضَ قَوْل الْأَوَّل وَالثَّانِي حَتَّى أَمَرَ حَسَّان، فَالْمَقْصُود مِنْهُ النِّكَايَة فِي الْكُفَّار، وَقَدْ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْجِهَادِ فِي الْكُفَّار وَالْإِغْلَاظ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْهَجْو أَشَدّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْق النَّبْل، فَكَانَ مَنْدُوبًا لِذَلِكَ مَعَ مَا فيه مِنْ كَفِّ أَذَاهُمْ، وَبَيَان نَقْصِهِمْ، وَالِانْتِصَار بِهِجَائِهِمْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْعُلَمَاء: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْدَأَ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبِّ وَالْهِجَاء مَخَافَةً مِنْ سَبِّهِمْ الْإِسْلَام وَأَهْله. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَلِتَنْزِيهِ أَلْسِنَة الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْفُحْش، إِلَّا أَنْ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ ضَرُورَة لِابْتِدَائِهِمْ بِهِ، فَكَيْف أَذَاهُمْ وَنَحْوه كَمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: «قَدْ آنَ لَكُمْ» أَيْ حَانَ لَكُمْ: «أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَد الضَّارِب بِذَنَبِهِ» قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد بِذَنَبِهِ هُنَا لِسَانه، فَشَبَّهَ نَفْسه بِالْأَسَدِ فِي اِنْتِقَامه وَبَطْشه إِذَا اِغْتَاظَ، وَحِينَئِذٍ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ جَنْبَيْهِ كَمَا فَعَلَ حَسَّان بِلِسَانِهِ حِينَ أَدْلَعَهُ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَشَبَّهَ نَفْسَهُ بِالْأَسَدِ، وَلِسَانَهُ بِذَنَبِهِ. قَوْله: «ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانه» أَيْ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّفَتَيْنِ. يُقَالُ: دَلَعَ لِسَانَهُ وَأَدْلَعَهُ، وَدَلَعَ اللِّسَان بِنَفْسِهِ. قَوْله: «لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيم» أَيْ لَأُمَزِّقَنَّ أَعْرَاضهمْ تَمْزِيق الْجِلْد. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَجَاهُمْ حَسَّان فَشَفَى وَاشْتَفَى» أَيْ شَفَى الْمُؤمِنِينَ، وَاشْتَفَى هُوَ بِمَا نَالَهُ مِنْ أَعْرَاض الْكُفَّار، وَمَزَّقَهَا، وَنَافَحَ عَنْ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِينَ. قَوْله: وَفِي كَثِير مِنْ النَّسْخ: (حَنِيفًا) بَدَل (بَرًّا تَقِيًّا) فَالْبَرّ بِفَتْحِ الْبَاء الْوَاسِع الْخَيْر، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْبِرّ بِكَسْرِ الْبَاء وَهُوَ الِاتِّسَاع فِي الْإِحْسَان، وَهُوَ اِسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَقِيلَ: الْبَرُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمُتَنَزِّه عَنْ الْمَآثِم. وَأَمَّا الْحَنِيفُ فَقِيلَ: هُوَ الْمُسْتَقِيمُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَائِل إِلَى الْخَيْر. وَقِيلَ: الْحَنِيفُ التَّابِعُ مِلَّة إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: (شِيمَته الْوَفَاء) أَيْ خُلُقه. قَوْله: هَذَا مِمَّا اِحْتَجَّ بِهِ اِبْن قُتَيْبَة لِمَذْهَبِهِ أَنَّ عِرْض الْإِنْسَان هُوَ نَفْسه لَا أَسْلَافه، لِأَنَّهُ ذَكَرَ عِرْضه وَأَسْلَافه بِالْعَطْفِ. وَقَالَ غَيْره: عِرْض الرَّجُل أُمُوره كُلّهَا الَّتِي يُحْمَدُ بِهَا وَيُذَمُّ مِنْ نَفْسه وَأَسْلَافه، وَكُلّ مَا لَحِقَهُ نَقْصٌ يَعِيبُهُ. وَأَمَّا قَوْله: (وِقَاء) فَبِكَسْرِ الْوَاو وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ مَا وَقَيْت بِهِ الشَّيْء. قَوْله: «تُثِيرُ النَّقْعَ» أَيْ تَرْفَع الْغُبَار وَتُهَيِّجُهُ. قَوْله: (مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّون أَيْ جَانِبَيْ كَدَاءِ بِفَتْحِ الْكَاف وَبِالْمَدِّ، هِيَ ثَنِيَّةٌ عَلَى بَاب مَكَّة، سَبَقَ بَيَانهَا فِي كِتَاب الْحَجّ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَيْت إِقْوَاء مُخَالِفٌ لِبَاقِيهَا، وَفِي بَعْض النُّسَخ: (غَايَتهَا كَدَاءِ). وَفِي بَعْضهَا (مَوْعِدُهَا كَدَاءِ). قَوْله: (يُبَارِينَ الْأَعِنَّة) وَيُرْوَى: (يُبَارِعْنَ الْأَعِنَّة). قَالَ الْقَاضِي: الْأَوَّل هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لِصَرَامَتِهَا وَقُوَّة نُفُوسهَا تُضَاهِي أَعِنَّتَهَا بِقُوَّةِ جَبْذهَا لَهَا، وَهِيَ مُنَازَعَتهَا لَهَا أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي: وَفِي رِوَايَة اِبْن الْحَذَّاء (يُبَارِينَ الْأَسِنَّة)، وَهِيَ الرِّمَاح. قَالَ: فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَمَعْنَاهَا أَنَّهُنَّ يُضَاهِينَ قَوَامهَا وَاعْتِدَالهَا. قَوْله: (مُصْعِدَات) أَيْ مُقْبِلَات إِلَيْكُمْ، وَمُتَوَجِّهَات. يُقَالُ: أَصْعَدَ فِي الْأَرْض إِذَا ذَهَبَ فيها مُبْتَدِئًا، وَلَا يُقَالُ لِلرَّاجِعِ. قَوْله: (عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَل الظِّمَاء) أَمَّا أَكْتَافهَا فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوْقُ. وَالْأَسَلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَبَعْدهَا لَام. هَذِهِ رِوَايَة الْجُمْهُور وَالْأَسَل الرِّمَاح، وَالظِّمَاء الرِّقَاق، فَكَأَنَّهَا لِقِلَّةِ مَائِهَا عِطَاش. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالظِّمَاءِ الْعِطَاش لِدِمَاءِ الْأَعْدَاء وَفِي بَعْض الرِّوَايَات (الْأُسْد الظِّمَاء) بِالدَّالِ أَيْ الرِّجَال الْمُشْبِهُونَ لِلْأُسْدِ الْعِطَاش إِلَى دِمَائِكُمْ. قَوْله: (تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَات) أَيْ تَظَلُّ خُيُولُنَا مُسْرِعَات يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَوْله: (تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاء) أَيْ تَمْسَحُهُنَّ النِّسَاء بِخُمُرِهِنَّ، بِضَمِّ الْخَاء وَالْمِيمِ، جَمْع خِمَار أَيْ يُزِلْنَ عَنْهُنَّ الْغُبَار، وَهَذَا لِعَزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا عِنْدهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ (بِالْخَمْرِ) بِفَتْحِ الْمِيم جَمْع خَمْرَة وَهُوَ صَحِيح الْمَعْنَى، لَكِنَّ الْأَوَّل هُوَ الْمَعْرُوف، وَهُوَ الْأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهَا. قَوْله: (وَقَالَ اللَّه قَدْ يَسَّرْت جُنْدًا) أَيْ هَيَّأْتهمْ وَأَرْصَدْتُهُمْ. قَوْله: (عُرْضَتُهَا اللِّقَاء) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْن أَيْ مَقْصُودهَا وَمَطْلُوبهَا. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ) أَيْ مُمَاثِلٌ وَلَا مُقَاوِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْله: «خَشْف قَدَمِي» أَيْ صَوْتهمَا فِي الْأَرْض. وَخَضْخَضَة الْمَاء صَوْت تَحْرِيكه. وَفيه اِسْتِجَابَة دُعَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَوْر بِعَيْنِ الْمَسْئُول، وَهُوَ مِنْ أَعْلَام نُبُوَّته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِحْبَاب حَمْد اللَّه عِنْد حُصُول النِّعَم. 4547- قَوْله: «كُنْت أَخْدُمُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْء بَطْنِي» أَيْ أُلَازِمُهُ وَأَقْنَعُ بِقُوتِي، وَلَا أَجْمَعُ مَالًا لِذَخِيرَةٍ وَلَا غَيْرهَا، وَلَا أَزِيدُ عَلَى قُوتِي. وَالْمُرَاد مِنْ حَيْثُ حَصَلَ الْقُوت مِنْ الْوُجُوه الْمُبَاحَة، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْخِدْمَة بِالْأُجْرَةِ. قَوْله: «يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَة يُكْثِرُ الْحَدِيث، وَاَللَّه الْمَوْعِدُ» مَعْنَاهُ فَيُحَاسِبُنِي إِنْ تَعَمَّدْت كَذِبًا، وَيُحَاسِبُ مَنْ ظَنَّ بِي السُّوء. قَوْله: «يَشْغَلُهُمْ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ (يَشْغَلُهُمْ)، وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ. و(الصَّفْق) هُوَ كِنَايَة عَنْ التَّبَايُع، وَكَانُوا يُصَفِّقُونَ بِالْأَيْدِي مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْضهَا عَلَى بَعْض. وَالسُّوق مُؤَنَّثَة، وَيُذَكَّرُ، سُمِّيَتْ بِهِ لِقِيَامِ النَّاس فيها عَلَى سُوقِهِمْ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَسْط ثَوْب أَبِي هُرَيْرَة. 4548- قَوْله: «كُنْت أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْل أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي» مَعْنَى أُسَبِّحُ أُصَلِّي نَافِلَةً، وَهِيَ السُّبْحَة بِضَمِّ السِّين، قِيلَ: الْمُرَاد هُنَا صَلَاة الضُّحَى. قَوْله: «لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيث كَسَرْدِكُمْ» أَيْ يُكْثِرُهُ وَيُتَابِعُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 4549- سبق شرحه بالباب. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: وَأَمَّا: «رَوْضَةُ خَاخٍ» فَبَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة بِقُرْبِ الْمَدِينَة. قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: وَقَالَ الصَّائِدِيّ: هِيَ بِقُرْبِ مَكَّة، وَالصَّوَاب الْأَوَّل. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَاب» الظَّعِينَة هُنَا الْجَارِيَة، وَأَصْلُهَا الْهَوْدَجُ، وَسُمِّيَتْ بِهَا الْجَارِيَة؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فيه. وَاسْم هَذِهِ الظَّعِينَة سَارَة مَوْلَاة لِعِمْرَان بْن أَبِي صَيْفِيّ الْقُرَشِيّ. وَفِي هَذَا مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفيه هَتْك أَسْتَارِ الْجَوَاسِيس بِقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ سَوَاء كَانَ رَجُلًا أَوْ اِمْرَأَة، وَفيه هَتْك سِتْرِ الْمَفْسَدَة إِذَا كَانَ فيه مَصْلَحَة أَوْ كَانَ فِي السِّتْر مَفْسَدَة وَإِنَّمَا يُنْدَبُ السِّتْر إِذَا لَمْ يَكُنْ فيه مَفْسَدَة، وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَة، وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّدْب إِلَى السِّتْر. وَفيه أَنَّ الْجَاسُوس وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الذُّنُوب الْكَبَائِر لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ، وَهَذَا الْجِنْسُ كَبِيرَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِيذَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَبِيرَة بِلَا شَكٍّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ} الْآيَة وَفيه أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْعَاصِي، وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام. وَفيه إِشَارَة جُلَسَاء الْإِمَام وَالْحَاكِم بِمَا يَرَوْنَهُ كَمَا أَشَارَ عُمَر بِضَرْبِ عُنُق حَاطِب. وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّ الْجَاسُوس الْمُسْلِم يُعَزَّرُ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ. وَبَعْضُهُمْ يُقْتَلُ، وَإِنْ تَابَ. وَقَالَ مَالِك: يَجْتَهِدُ فيه الْإِمَام. قَوْله: «تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء أَيْ تَجْرِي. قَوْله: «فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصهَا» هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن أَيْ شَعْرِهَا الْمَضْفُور، وَهُوَ جَمْع عَقِيصَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّه اِطَّلَعَ عَلَى أَهْل بَدْر فَقَالَ: اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْغُفْرَان لَهُمْ فِي الْآخِرَة، وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْره أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع عَلَى إِقَامَة الْحَدّ، وَأَقَامَهُ عُمَر عَلَى بَعْضِهِمْ. قَالَ: وَضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدّ وَكَانَ بَدْرِيًّا. قَوْله: «عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَد الْغَنَوِيّ وَالزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ»، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: (الْمِقْدَاد) بَدَل (أَبِي مَرْثَد). وَلَا مُنَافَاةَ، بَلْ بَعَثَ الْأَرْبَعَة عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد وَأَبَا مَرْثَد. 4551- قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه لَيَدْخُلَنَّ حَاطِب النَّار فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْت لَا يَدْخُلهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة» فيه فَضِيلَة أَهْل بَدْر وَالْحُدَيْبِيَة، وَفَضِيلَة حَاطِب لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ، وَفيه أَنَّ لَفْظَة الْكَذِب هِيَ الْإِخْبَار عَنْ الشَّيْء عَلَى خِلَاف مَا هُوَ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا، سَوَاء كَانَ الْإِخْبَار عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَل، وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَة بِالْعَمْدِ، وَهَذَا يَرُدّ عَلَيْهِمْ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة: لَا يُسْتَعْمَل الْكَذِب إِلَّا فِي الْإِخْبَار عَنْ الْمَاضِي مَا هُوَ مُسْتَقْبَل، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَأَمَّا قَوْل حَفْصَة: (بَلَى)، وَانْتِهَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، فَقَالَتْ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا} فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ قَالَ: «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا» فيه دَلِيل لِلْمُنَاظَرَةِ وَالِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب عَلَى وَجْه الِاسْتِرْشَاد، وَهُوَ مَقْصُود حَفْصَة، لَا أَنَّهَا أَرَادَتْ رَدَّ مَقَالَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد بِالْوُرُودِ فِي الْآيَة الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَى جَهَنَّم، فَيَقَع فيها أَهْلهَا، وَيَنْجُو الْآخَرُونَ. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: 4554- قَوْله: «فَنَزَا مِنْهُ الْمَاء» هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّاي أَيْ ظَهَرَ وَارْتَفَعَ، وَجَرَى وَلَمْ يَنْقَطِع. قَوْله: «عَلَى سَرِير مُرْمَل، وَعَلَيْهِ فِرَاش، وَقَدْ أَثَّرَ رِمَال السَّرِير بِظَهْرِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَمَّا (مُرْمَل) فَبِإِسْكَانِ الرَّاء وَفَتْح الْمِيم، وَرِمَال بِكَسْرِ الرَّاء وَضَمّهَا، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَج فِي وَجْهه بِالسَّعَفِ وَنَحْوه، وَيُشَدّ بِشَرِيطٍ وَنَحْوه، يُقَال مِنْهُ: أَرْمَلْته فَهُوَ مُرْمَل وَحُكِيَ رَمَلْته فَهُوَ مَرْمُول. وَأَمَّا قَوْله: (وَعَلَيْهِ فِرَاش) فَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، فَقَالَ الْقَابِسِيّ: الَّذِي أَحْفَظهُ فِي غَيْر هَذَا السَّنَد (عَلَيْهِ فِرَاش) قَالَ: وَأَظُنّ لَفْظَة (مَا) سَقَطَتْ لِبَعْضِ الرُّوَاة، وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره عَلَى أَنَّ لَفْظَة (مَا) سَاقِطَة، وَأَنَّ الصَّوَاب إِثْبَاتهَا. قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث عُمَر فِي تَخْيِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه عَلَى رِمَال سَرِير لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنه فِرَاش، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَال بِجَنْبَيْهِ. قَوْله: «ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِر حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إِبْطَيْهِ إِلَى آخِره» فيه اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء، وَاسْتِحْبَاب رَفْع الْيَدَيْنِ فيه، وَأَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَنَس أَنَّهُ لَمْ يَرْفَع يَدَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، إِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ الرَّفْع فِي مَوَاطِن كَثِيرَة فَوْق ثَلَاثِينَ مَوْطِنًا.
|